يجمع الكثير من الملاحظين في الجزائر بأن المنتخب الأول لكرة القدم يبقى المجال الوحيد الناجح والمتألق في بلادنا خلال السنوات الماضية في وقت تتراجع الرياضات الأخرى وتتراجع الكثير من القطاعات في غياب استراتيجية وطنية للارتقاء بالبلد والشعب إلى المكانة التي يستحقها حتى صار شعارنا الوحيد في هذه الحياة “وان تو تري فيفا لالجيري”، والجميع يربط اسم الجزائر بمنتخبها لكرة القدم وليس بسمعتها الدبلوماسية أو إنجازاتها العلمية والفكرية والاقتصادية والثقافية في ظاهرة فريدة من نوعها رغم ما نتوفر عليه من قدرات وإمكانيات بشرية ومادية وطبيعية!
لقد اختصرنا الجزائر واختزلناها في منتخبها لكرة القدم في وقت تراجعت كل الرياضات الأخرى وتفاقمت ظاهرة العنف وساءت الأخلاق وانحرف بعض الاعلام الرياضي المرئي والمكتوب عن رسالته وعن أخلاقيات المهنة امتدادا لانحرافات من نوع آخر على مستوى الحياة السياسية التي ساءت وصار تعيسة كئيبة مليئة بالنفاق والكذب والتحايل من كل الأطراف التي جعلت من البقاء في السلطة همها الوحيد، وجعلت من البحث عن المواقع وزيادة الرواتب والحوافز لأطراف أخرى بمثابة الهم الوحيد على حساب زيادة الوعي والتنمية الفعلية لقدرات أبنائنا وبلدنا وتحسين الخدمات وظروف الحياة الكريمة .
إذا تحدثنا عن الفلاحة فإن مساحات الأراضي الفلاحية تتراجع لصالح الاسمنت وسعر البطاطا بلغ 100 دينار للكيلوغرام ولازلنا نستورد كل غذائنا من الخارج، وإذا ألقينا نظرة على قطاع النقل فإن طائراته وقطاراته وطرقاته تقتل الآلاف من الأبرياء سنويا، وقطاع السياحة يتراجع من سنة لأخرى مثلما يزداد تراجعا قطاع الخدمات بكل أنواعه ويتراجع قطاعات الصحة والتربية والتعليم والتكوين والثقافة والاعلام في سيناريو يبدو إما مقصودا لتركيع الوطن أو تعبيرا عن فشل في التسيير والتدبير من أناس لا وعي لهم بما يفعلون بنا..
أما ما تم إنجازه في قطاعات السكن والعمران والمرافق فقد كان بفضل من الله وعائدات النفط وليس بسبب عبقرية السلطة التي يتفنن بعضها في الاسراف والتبذير ونهب الخيرات مثلما قرأناه في التقرير السنوي لمجلس المحاسبة الذي كشف عن اختلالات غريبة وعجيبة في منظومة الانفاق والاستثمار وكل المخصصات المالية للكثير من القطاعات دون أن يتحرك المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة والسلطات القضائية والهيئات الرسمية المختلفة التي تحولت إلى مجرد هياكل بدون روح يحكمها ويتحكم فيها رجل واحد.
صحيح أن المنتخب الجزائري الأول لكرة القدم بلغ درجة لا مثيل لها من التطور والتحسن، ولكن بالمقابل بلغت الرداءة في الكثير من المجالات الأخرى درجة لامثيل لها في تاريخ الجزائر ستنعكس سلبا دون شك على مستقبل الوطن إذا استمر النزيف والاحتقان وتراجع أسعار النفط إلى أقل من 70 دولار خاصة وأننا لم نعد نفرق بين الانفاق وبين الاستثمار بعد أن راحت السلطة القائمة تشتري الذمم والسلم الاجتماعي لكي تبقى مسلطة على رقابنا حتى ولو تم انفاق كل أموال الخزينة العمومية عوض استثمارها لأجل انتاج الثروة وتنمية القدرات الفكرية والعلمية والاقتصادية لبلدنا وأبناء شعبنا الذي راح بدوره يهتف بحياة المنتخب ويخجل من فضائح كل القطاعات الأخرى ، ويخاف على مستقبل وطنه من كل مغامرة يعتقد بأنها ستمس بالأمن والاستقرار ، وينسى بأن السيناريو الحاصل هو أكبر تهديد للجزائر.
حفيظ دراجي
نشر في يومية الشروق بتاريخ 16 نزفمبر 2014