التسريب الإعلامي الاخير لخبر لقاء الرئيس مع قادة الجيش لاستشارتهم في مشروع تعديل الدستور الذي وعد به بوتفليقة لم يكن أبدا تسريبا عفويا وبريئا من الرئيس ومحيطه الضيق، ولم يكن أبدا إشارة منهم بأن تعديل الدستور يبقى من أولويات الرئيس، ولم يأتِ أيضا لطمأنه المجتمع بأن الرئيس حريص على استشارة الجميع للخروج بدستور توافقي في مستوى الرهانات والمستجدات كما أعلنه الموالون أثناء الحملة الانتخابية للرئاسيات الماضية .
التسريب جاء ليعبر عن نية مبيته لتوريط الجيش من خلال إعطاء الانطباع بأن المؤسسة العسكرية تزكي مشروع الرئيس، أو لإعطاء الانطباع بأنها السبب الرئيس في تعطيله منذ مدة علما أن الرئيس استوللى على كل الصلاحيات و يريد دستورا على المقاس لضمان استمراره ملكا على الجزائر يضمن انتقال الحكم إلى الموالين من محيطه. بعض الملاحظين يعتقدون بأن تسريب الخبر من طرف محيط الرئيس يهدف إلى التغطية على اختلاف بعض قادة الجيش مع بوتفليقة بشأن مشروع التعديل وصلاحيات الرئيس في الدستور الجديد وصلاحيات نائب الرئيس والوزير الأول والفصل بين السلطات الذي يريده الرئيس أن يبقى غامضا ليستمر الحكم الفردي والأحادي للجزائر بعيدا عن مؤسسات الجمهورية التي تم تقزيمها وتجميد دورها.
لا أحد في الجزائر وخارجها يخفى عليه بأن الرئيس يلتقي بانتظام منذ مدة بمسؤولي المؤسسة العسكرية أكثر مما يلتقي بمسؤولين آخرين لذلك يبدو أن الغاية من تسريب الخبر فيها خبث وتحايل ونوايا سيئة يراد منها تغليط الرأي العام وتوريط المؤسسة العسكرية التي دعاها سعداني منذ سنة بإيعاز من محيط الرئيس إلى البقاء خلف أسوار الثكنات، ودعا إلى بناء دولة مدنية يبتعد فيها الجيش عن العمل السياسي حتى يكتمل سيناريو الاستحواذ على الدولة والانفراد بحكمها والتحكم في كل دواليبها من بضعة أشخاص!
أما إذا سلمنا بأن تسريب الخبر كان عفويا والرئيس فعلا استقبل قادة الجيش لاستشارتهم في مشروع تعديل الدستور فلماذا لم يكلف نفسه الرئيس استقبال ممثلي مؤسسات أخرى ورجال الساسة والشخصيات الوطنية لاستشارتهم؟ أم أنه يحتقرهم ولا يحترمهم مثلما يفعل منذ أكثر من خمسة عشر عاما!
وأين هي نتائج جولات الحوار التي أجراها مدير ديوانه السيد أحمد أويحي؟ وما طبيعة هذا التعديل الدستوري الذي يأخذ كل هذا الوقت و”السوسبانس” دون أن نحتكم إليه ونحترمه ونلتزم به عند الضرورة؟
لقد عرفت الجزائر المستقلة العديد من الدساتير وعدل منها بوتفليقة دستورين في انتظار الثالث وهو رقم قياسي لم ولن يحدث حتى في جمهوريات الموز رغم أنه كان كل مرة عند أدائه اليمين الدستورية يقسم أمام الله والشعب بأنه “سيحترم الدستور ويمجده” لكنه في كل مرة يخل بالتزاماته وتعهداته، ولا يحترم لا الدستور ولا الشعب، ولا الشهداء ولا المجاهدين، ولا المعارضة ولا الموالاة، وكأنه يريد تصفية حساباته والانتقام من الجميع وإهانتهم أمام الشعب، ويريد اختزال الدولة وتاريخها وحاضرها ومستقبلها في شخصه فقط دون غيره من الرجال والمؤسسات.
الطبخة الدستورية البوتفليقية ستكتمل قريبا للاستهلاك المحلي والخارجي لأن الرئيس ليس في حاجة إلى دستور جديد مادام تسيير البلاد يتم بعيدا عن مؤسسات الجمهورية وقوانينها، بل أصبح لدينا رئيس منتخب مقعد في بيته ورئيس فعلي لم ينتخبه الشعب يدير باسمه شؤون الوطن، وصار لدينا وزير أول معين ومغيب بدوره، سرق منه الأضواء رجل أعمال يتصرف بصفته وزير أول،في وقت لم يعد فيه الوزير وزيرا والمدير مديرا، وانقلبت المفاهيم والمعايير وانهارت القيم والأخلاق، وصار كل شيء يباع ويشترى
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 23 فبراير 2015