كل مرة أحاول فيها الكتابة عن الإيجابيات والأشياء الجميلة في الرياضة وشؤون بلدي المختلفة أجد نفسي رهينة الخوض في السلبيات والنقائص المترسخة والمتكررة، لأن ما يعتبره البعض إنجازا وصدقة ومنة اعتبره أنا التزاما وواجبا من واجبات الدولة تجاه شعب يستحق العيش الكريم في كنف مجتمع متطور تسوده العدالة الاجتماعية وتحت ظل دولة قوية بمؤسساتها وقوانينها وكل رجالها دون إقصاء أو تخوين.
أنا لم أجد في بلدي مشروعا واحدا لم يسلم من فضائح الرشوة والنهب والفساد خلال العشرية الماضية لدرجة صرنا نشكك في كل شيء وفي كل الناس بل نشكك حتى في النوايا ولو كانت صادقة وكم هي كثيرة في بلدنا لكنها غيبت وأغرقت في وحل الرداءة “والشيتة” والجهوية.
كلما حاولت الكتابة في التطور الذي يشهده منتخب كرة القدم وحظوظه الكبيرة في التتويج باللقب القاري أتذكر بأن الكرة المحلية ضعيفة لا تنتج إلا عنفا ومستوى فنيا رديئا، وأتذكر بأن الرياضات الأخرى مريضة ومرافقنا الرياضية تعيسة لا تلبي الحاجيات المتزايدة لأبنائنا الذين لا يجدون ملعبا واحدا محترما وقاعة واحدة تتوفر على كل الوسائل التي تسمح للرياضيين بالتحضير الجيد والإبداع في كل الاختصاصات الرياضية.
وكلما أردت الحديث عن الطاقات الشبانية الهائلة التي تزخر بها الجزائر أتذكر معاناتها في الحصول على فرصتها لتفجير ما تكتنزه، ومعاناتها أيضا مع الحقرة والتهميش ما أدى بها إلى التذمر والبحث عن سبل مغادرة الوطن بعدما بلغ بها اليأس درجة كبيرة بفعل منظومة فاشلة لا تملك مشروعا مستقبليا ولو على المديين المتوسط والبعيد، منظومة استهلكت كل رجالها وكفاءاتها التي صارت رهينة بين أيادي لا يهمها سوى البقاء في مواقعها.
كلما حاولت الكتابة عن قطاعات التربية والتعليم والتكوين تعود إلى الواجهة صور الإضرابات التي يشنها باستمرار موظفو القطاع احتجاجا على ظروف عملهم، وتعود إلى ذهني تلك المنظومة التي نتحدث فيها عن الكم على حساب النوع، ونفتخر فيها بأعداد التلاميذ والطلاب والمدارس والجامعات ومراكز التكوين، وننسى المستوى التربوي والتعليمي الذي يتراجع كل سنة، والبطالة المتفشية في أوساط المتخرجين من المعاهد والجامعات.
أما إذا حاولت الكتابة عن قطاع الصحة فإنني سأضطر أيضا للحديث عن إضرابات مختلف الأسلاك المهنية والكتابة عن نقص الرعاية الصحية والوقاية من مختلف الأمراض التي يعاني منها أبناؤنا الذين يموتون لمجرد إصابتهم بنزلة برد أو ارتفاع درجة الحرارة ولا يجدون مراكز استشفائية أو مستشفيات كافية ومحترمة تلبي حاجياتهم، حاولت أن أكتب لكنني عجزت عن إيجاد مستشفى واحد محترم أكتب عنه.
اذا أردت أن أتحدث عن قطاع السكن فإنني سأكون جاحدا لو لم أتحدث عن الإنجازات، ولكنني سرعان ما أصطدم بظاهرة فوضى التوزيع، وإذا تحدثت عن مشروع الطريق السيار فإنني أصطدم أيضا بكلفته الغالية ورداءته التي لا تزال تتسبب في حوادث تحصد الآلاف من القتلى كل سنة، واذا أردت الكتابة عن الخطوط الجوية الجزائرية والميترو والترامواي فإنني لن أتردد في الحديث عن الحوادث المتكررة وفضائح الرشوة والفساد التي ميزت الكثير من المشاريع.
أتوقف عند هذا الحد لأن ما أكتبه قد يبدو مبالغا فيه ولكنني فعلا لا أجد مشروعا واحدا ناجحا تم إنجازه في وقته دون تأخير ودون فضائح رشوة وفساد، ولا أجد قطاعا واحدا لم يسلم من الإضرابات والاضطرابات، ويسير في ظروف عادية بسبب منظومة فاشلة لم تعد قادرة على إنتاج الأفكار والمشاريع وصار همها الوحيد هو رد الفعل دون الفعل وإطفاء نيران الاحتجاجات كلما اشتعلت بسياسة الهروب إلى الامام ربحا للوقت لكن دون وعي بأن الجزائر ليست على ما يرام، أو على الأقل
حفيظ دراجي
نشر في يومية الشروق بتاريخ 11 يناير 2015