للأسبوع الخامس على التوالي أواصل الامتناع عن الكتابة في الرياضة ليس كرها فيها وفي كرة القدم التي أعشقها مثل الكثير من أبناء بلدي ، وليس لأنها مريضة وتقتل وفيها الكثير من الحقد والكراهية والكثير من “البريكولاج” ، ولكن لأن الوضع الغامض والرديء الذي تعيشه الجزائر يفرض علي التركيز على الرياضة الوحيدة التي ازدهرت في السنوات القليلة الماضية والمتمثلة في تنس الطاولة أو ما يعرف عند عامة الناس “بالبينغ بونغ” وأقصد بها سلسلة التعيينات والإقالات والإهانات المتكررة التي يتعرض لها الرجال وتعاني منها المؤسسات و تتأثر بها الاستراتيجيات وتنعكس سلبا على كل القطاعات ..
في الدول المحترمة يعين الوزير من أجل القيام بمهمة نبيلة محددة في إطار برنامج الحكومة ويقال إذا فشل في مهمته ليتم تعيين من هو أفضل منه ، وعندنا يعين بعض الوزراء لأجل خدمة الحاكم وتلميع صورته ، ويقالون من مناصبهم بسبب كفاءتهم ونجاحاتهم التي تحرج الحاكم ومحيطه وليس بسبب فشلهم في مهامهم ، وفي الدول المحترمة يقال الرجال من دون إهانتهم وقلما يعودون إلى مواقعهم أو في مناصب أخرى لكن عندنا كثيرا من المدراء والوزراء ورؤساء الحكومات يخرجون من الأبواب ليعودوا من النوافذ ويهانون عند إقالتهم وتلصق بهم كل تهم الفشل والفساد قبل إعادة الاعتبار لهم وإعادة تعيينهم في مناصب أخرى وكأنهم كرة تنس الطاولة أو “البينغ بونغ” التي يرمى بها من منطقة لأخرى !!
رياضة “البينغ بونغ” المزدهرة أقصد بها أيضا انتقال الناس بمواقفهم ودعمهم من جبهة إلى أخرى كل مرة دون قناعة أو اقتناع وحسب المصالح والمنافع وأهواء الحاكم ، وأقصد بها أيضا التسويق لقرارات ومواقف سياسية واقتصادية واجتماعية سرعان ما يتم التراجع عنها لأن الحاكم يريد ذلك في سيناريو يراد من خلاله تركيع الرجال وإخضاع المؤسسات للأهواء والنزوات دون أدنى اعتبار لكل المعايير والمقاييس المعمول بها عالميا عند اختيار المسؤولين واتخاذ القرارات المصيرية !!
الغريب في الأمر أن مسؤولين كبار تمت اقالتهم و “بهدلتهم” وتم تصويرهم على أنهم مسؤولون على كثير من الفضائح والكوارث، ثم تم استدعائهم مجددا وتكليفهم بمناصب عليا وكأن شيئا لم يكن ، ليصبح المدير وزيرا والوزير وزيرا أولا ، والوزير الأول يصبح مستشارا للرئيس ، ويعود المتقاعدون إلى المناصب العليا في الدولة وكأن الجزائر صارت عاقرا لا تنجب الرجال أو كأن مناصب المسؤولية هي حكر على فئة وجهة دون أخرى.
في عهد بوتفليقة شهدنا العجب ورأينا كل مهارات رياضة “البينغ بونغ” ويكذب على نفسه وعلينا من يعتقد بأن الذي يحدث عادي وطبيعي وسبق له وأن حدث في أي بلد أخر، ويكذب من يعتقد بأن بعض الوزراء والمدراء حتى لا أقول كلهم يملكون الصلاحيات في اتخاذ القرار ويبذلون جهودهم للقيام بمهامهم فقط دون الحاجة إلى إرضاء الحاكم والتنافس على إظهار الولاء الأعمى من أجل البقاء في مناصبهم ، ولكن الكثير منهم خسروا أنفسهم وأهينوا وأقيلوا لأسباب لا علاقة لها بالمهمة التي عينوا من أجلها وخسرت الجزائر الوقت والجهد والمال ومكانتها في نفوس أبنائها وفي عيون العالم الذي ينظر إلينا على أننا كل شيء إلا دولة مؤسساتها محترمة .
حفيظ دراجي
نشر في جريدة الشروق بتاريخ 21 سبتمبر 2014