لازلت غير قادر على الكتابة في الرياضة وفضائح الكرة لأن البلد الذي قال عنه الرئيس في احدى خطاباته بأنه قادر على تنظيم كأسين عالميتين لم تمنحه الكونفدرالية الافريقية لكرة القدم شرف تنظيم كأس أمم إفريقيا، وستكتفي الكاف بمنحنا هدية تنظيم كأس أمم افريقيا 2017 في سيناريو كان جاهزا منذ زمن لتعويض الجارة ليبيا ، وهو الأمر الذي لم تكن تسعى إليه السلطات التي كانت تأمل في تنظيم دورة 2019 لأنها تدرك عدم جاهزيتها قبل ذلك لاحتضان العرس القاري !!
لن أخوض في الموضوع أكثر حتى لا أضطر إلى كتابة أشياء مؤسفة ومسيئة لبلدي الذي لم يبني ملعبا جديدا محترما منذ عشرات السنين ، وحتى لا أضطر لتسليط الضوء على البريكولاج الذي تتخبط فيه الحركة الرياضية الوطنية التي تدفع ثمن التغييرات المتتالية لقانون التربية الرياضية والبدنية الذي لا يعمر أكثر من عشر سنوات في بلدنا ، وكلما غيرناه تراجعت الممارسة والنتائج و تدهورت المرافق والأخلاق وزاد العنف والحقد والكراهية في الملاعب وافتقدنا الانسجام بين الفاعلين في الحركة الرياضية !!
لن أكتب أيضا عن ما تسمونه انجازات وإيجابيات لانها ليست منة منكم ولم تتصدقوا بها على الشعب الذي يشرفكم أن تخدموه ولا يتشرف من جهته بأن تكونوا أسيادا عليه ، سأضع كل هذا جانبا اليوم لأتوقف عند ثقافة النسيان التي يريد أن يزرعها من زرعوا فينا الحقد والكراهية والاقصاء ومن أساؤوا للرجال والمؤسسات واختزلوا الوطن في شخص رجل واحد ليس قبله ولا بعده رجل آخر ، ويريدوننا اليوم أن ننسى بأننا مقبلون على الذكرى الستين لاندلاع ثورة التحرير، وننسى صناعها من أبناء هذا الشعب الذين حرروا الوطن وأشعلوا ثورة كانت من أعظم ثورات القرن العشرين ..
لم يعد يفصلنا سوى شهر واحد عن الذكرى الستين لاندلاع ثورة التحرير المجيدة ولكن لا شيء في الجزائر يوحي بأننا مقبلون على ذكرى حدث كبير وكأن السلطة لا تريد إحراج فرنسا وأبناء فرنسا المتواجدين بيننا ، ولا تريد لأبنائنا أن يتذكروا تضحيات الرجال العظماء الذين ضحوا من أجل الوطن والذين تحرج بطولاتهم أولئك الذين ليس لهم تاريخ ثوري ولم يصنعوا التاريخ لذلك يتعمدون غرس ثقافة النسيان والنكران في نفوس أبنائنا الذين صاروا يحفظون نجوم الكرة والفن ، ورجال الساسة وأصحاب المال أكثر من كل الأسماء التي كان يمكن أن تكون عبرة وقدوة لهم ..
شعوب العالم تفتخر بتاريخها و ثوراتها وبطولات أبنائها حتى ولو كانت بسيطة ولكن حكامنا يخجلون اليوم من استعادة الذكريات المجيدة لأنهم لم يكونوا جزءا منها، ويخافون من ذكر خصال وبطولات الرجال حتى وهم أموات في جزائر يراد لها أن تلغي كل الذي تحقق قبل سنة 99 من أناس لايهمهم سوى الاستحواذ على السلطة والبقاء فيها إلى الأبد والعبث بمؤسساتها وخيراتها باستعمال كل أشكال التحايل حتى ولو اقتضى الأمر شراء ذمم كل الناس وتوزيع كل المال العام، وحتى ولو أقتضى الأمر أن يموت نصف الشعب من شدة الهم والغم والألم واليأس ..
الشعب الجزائري لم ولن ينسى تاريخه لأن رائحة الشهداء والمجاهدين والمناضلين لا تزال تفوح في كل بيت جزائري، والشعب يدرك جيدا بأن الجزائر المجتمع والجزائر الأمة والجزائر الدولة مهددة اليوم أكثر من أي وقت مضى من الداخل، ومن طرف أبنائها الذين يسعون لمحو الذاكرة وصناعة تاريخ آخر سنخجل من ذكره وكتابته في يوم من الأيام ..
حفيظ دراجي
نشر في جريدة الشروق بتاريخ 28 سبتمبر 2014