hafid derradji

وطن يأكل أبناءه !!

 

لأول مرة منذ ست سنوات قضيتها خارج الجزائر أتلقى هذا الكم الهائل من طلبات المساعدة على مغادرة الجزائر والإلتحاق بقطر وغيرها من دول الخليج من طرف إطارات جزائرية رياضية وإعلامية ومن مختلف الاختصاصات سواء من ذوي الشهادات العليا الذي لم يجدوا منصب عمل أو حتى أولئك الذين يحتلون مواقع ومناصب هامة في مختلف المؤسسات والإدارات !!  رياضيون ،مدربون، إعلاميون، وأطباء ومهندسون وطيارون ، ومتخرجون جدد من مختلف الجامعات والمعاهد الجزائرية لم يعد باستطاعتهم تحمل الظروف الصعبة التي يعملون فيها ، ومواجهة الظروف المعيشية التي يكابدونها، ولم يعد بإمكانهم تحمل ما يسمعون ويشاهدون من إختلالات سياسية وإقتصادية وإجتماعية وأخلاقية إنعكست على معنويات الجيل الصاعد الذي صار يسعى إلى الهروب من الواقع المر بكل الطرق والوسائل بعدما نفذ صبره وبلغ درجة لا مثيل لها من اليأس والتذمر!!

صحيح أن الهجرة ظاهرة عالمية صحية وطبيعية والأمر يبدو عاديا من زمان بالنسبة للكثير من الشباب العربي الذي يبحث عن فضاءات أفضل لتحسين ظروفه المهنية والمادية أو لأسباب اخرى مختلفة ، وقد يكون الأمر أيضا مفيدا للأجيال الصاعدة التي تبحث عن فرصتها لدخول الحياة المهنية من بوابة إستخلاف المهاجرين ولكن تفاقم الظاهرة بشكل رهيب يحمل دلالات سياسية واجتماعية يجب التوقف عندها ، وينذر بهجرة جماعية للكفاءات الجزائرية التي أنفقت عليها الدولة أموالا طائلة من أجل تكوينها ، وينذر أيضا بافراغ مؤسسات الدولة من إطارات كفئة كثيرة في مختلف المجالات !!

الأمر يثير علامات إستفهام كبيرة لا تختلف عن علامات الإستفهام التي يطرحها علينا كل مرة بعض الإخوان ممن يتساءلون عن سر نزعة الشباب الجزائري نحو الهجرة إلى أوربا وأمريكا والخليج العربي في وقت تتمتع فيه الجزائر بقدرات مادية وطبيعية وبشرية لا تتوفر لدى الكثير من الدول المتطورة ، وفي وقت تشهد سوق العمل الجزائرية اقبالا متزايدا لليد العاملة الأجنبية المؤهلة وغير المؤهلة في تناقض فضيع لا يمكن تفسيره !!

الظاهرة مثيرة لعلامات إستفهام عديدة يطرحها الملاحظون في الداخل والخارج ولكن السلطات الجزائرية لا تعير لها إهتماما وكأن الأمر مقصود ومدبر لتهجير الكفاءات وإبقاء الجزائر رهينة بين أيدي الرديئين والانتهازيين وأولئك الذين بلغوا سن التقاعد ولازالوا يحتلون مواقع ومناصب هامة في هياكل الدولة التي تعاني الجمود والتخلف بسبب غياب النفس الجديد والفكر المتجدد في مجتمع غالبيته شباب ..

صحيح أن الكفاءة والجدارة والعطاء ليس لها سن أو حدود ، والجزائر يبنيها الجميع ، وتصدير الكفاءات قد يخدم إقتصاد الوطن وسمعته ، ولكن للصبر على الرداءة والتراجع حدود ، والجزائر بحاجة الى نفس جديد وبحاجة الى كل أبنائها للاستثمار في قدراتنا وخيراتنا التي يراد لها أن تبقى حكرا على فئة من أصحاب المال والنفوذ الذين وصل بهم الى الامر الى التحكم في رقاب الناس وتعيين وإقالة الوزراء ومدراء المؤسسات الكبرى لانهم لم يتواطؤوا معهم في عملية الاستحواذ على ما تبقى من خيرات الوطن !!

حفيظ دراجي

نشر في جريدة الشروق بتاريخ 3 أغسطس 2014

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل