مقال الأحد 9-3-2014
نريدها دولة مؤسسات لا دولة زعامات
عشية التمثيلية الرئاسية الهزلية التي ستقبل عليها الجزائر بعد أسابيع والتي سيقوم بها ويشرف عليها ممثلون بارعون في فن التمثيل السياسي وبالموازاة مع التراجع الأخلاقي والفكري السائد و المستوى الرديء للنقاش الدائر في الأوساط الاعلامية و السياسية هذه الأيام انشغل الناس عن مناقشة البرامج ومشروع المجتمع الذي نريده وشكل الجزائر التي يحلم بها أبناؤنا وكيف يمكننا الخروج من الأزمة والتخلص من تبعات التراجع والتخلف عن طريق برامج انتخابية حقيقية تكون في مستوى التطلعات، راح البعض يتخوف من تكرار أخطائنا وأخطاء الأخرين من حولنا و التخوف من التغيير والتجديد في وقت يعتقد البعض الآخر أن الوقت قد حان لنتوجه نحو دولة المؤسسات والقانون والعدالة الاجتماعية والتصالح مع أنفسنا وشعبنا وتجاوز كل الأحقاد التي لازالت منتشرة في كل الأوساط، والتي قد تتعمق بعد الرئاسيات إذا بقي الحال على ما هو عليه ..
الحديث عن خمسة عشر عاما الماضية وعن الانجازات والنقائص طغى أيضا على المشهد السياسي وكأن تاريخ الجزائر بدأ سنة 99 وقبلها كنا عبارة عن قطيع غنم لا همّ لنا سوى الرعي والمرعى، يأكلنا الجهل والتخلف. نفس هذا الخطاب هو الذي سيطغى على الحملة الانتخابية للرئاسيات المقبلة عوض الحديث عن المستقبل والبرامج والمشاريع والانشغالات والحلول لمشاكلنا، وعندها سيتعمق اليأس والاحباط في نفوس الجزائريين الذين يريد المغامرون أن يدفعوهم إلى الانتحار أو الانفجار أو الاندثار وهو الأمر الذي لن ينساق إليه الشعب ولن نرضى به خاصة وأن ثورة الجزائريين الأحرار ضد الاستعمار بأشكاله وضد الارهاب والظلم والفساد والاستبداد لن تتوقف حتى تبدأ، ولا تزال متواصلة مع الذات وضد قوى الشر التي تريد أن تجعل من الجزائر أضحوكة ومهزلة بعدما كانت مضربا للمثل في الشهامة والرجولة والنضال..
الاستبداد والظلم والفساد والاقصاء والتراجع المستفحل، كلها مجتمعة وغيرها من الآفات لن تقتل الأمل والحلم والطموح في نفوس الجزائريين لبناء دولة المؤسسات وليس دولة الزعامات و دولة القانون والعدالة الاجتماعية والرفاهية لكل أبناء الجزائر وليس لفئة من الناس دون سواها، كما أن الاستخفاف بعقول الجزائريين والتحايل عليهم لن يؤدي إلى نفاذ صبرنا مثلما يدفعنا إليه المغامرون الذين يسيرون بشعار “معزة ولو طارت” و” من دوننا ستنهار الجزائر” و “نحن أو الطوفان” و “الاستمرار هو ضمان للاستقرار” وكذا شعار ” من ليس معنا فهو ضد الجزائر”..
صحيح أن كل الممارسات السائدة والمؤشرات الحالية تدفع إلى الانفجار أو الانتحار لكن أبناءنا لن يفعلوا ذلك لأن وعيهم أكبر مما نتصور ولا أحد استطاع أن يدفعهم إلى ذلك إدراكا منهم بأن حبل الظلم والقهر والفساد قصير، والجزائر بلد كبير وشعبها عظيم بتاريخ عريق يحمل في طياته قيما كبيرة سيستعيدها عاجلا أم أجلا ليبني بلدا يرتكز على شرعية شعبية حقيقية وليست مزيفة، بلد تكون فيه السيادة للشعب وليس لفئة أو جماعة تنتهك الحريات والقوانين والأعراض، وتسيء إلى الشعب ومؤسسات الجمهورية وإلى الرئيس في حد ذاته من خلال الدفع به في ظروف لا إنسانية للبقاء في الحكم وهو غير قادر على تكاليفه في أبشع صورة محمّلة بالكثير من الإهانة والإساءة للرئيس في حد ذاته و للدولة وللشعب وتضحيات الشهداء !!
حفيظ دراجي
نشر في يومية الشروق بتاريخ 9-3-2014