hafid derradji

جيل استثماري ..

أن تخرج جماهير الكرة للاحتفال بالتتويج باللقب كما فعل أنصار المولودية بعد فوزهم بالكأس فهو أمر عادي وطبيعي يحدث في كل بلدان العالم ويتكرر عندنا من زمان ، ولكن أن تخرج الجماهير الجزائرية قبل موعد نهائي كأس الجمهورية بأيام لتجوب الشوارع وتحتل الساحات العمومية ليل نهار وتحولها إلى قاعات حفلات على الهواء يكون فيها الجميع مغنيا وراقصا فهو الأمر الذي يستوقفنا ويثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول ظاهرة فريدة من نوعها تحمل بخصائصها دلالات كثيرة تستدعي من المختصين الوقوف عندها لدراستها وتحليلها !!

لا أحد يبخس حق أبنائنا في الاحتفال ولا أحد يشك في عشقهم لنواديهم وتعلقهم بكرة القدم في غياب اهتمامات وأسباب أخرى للفرح ، لكن إفراطهم في الاحتفال لساعات متأخرة من الليل قبل الموعد الرياضي بأيام يدل على حاجتهم للتخلص من حالة الكبت التي يعيشونها وافتقادهم لمسببات الفرح والسعادة التي غطّاها الغم المعيش والهم الرابض في الاوساط الأسرية والمهنية والاجتماعية في ظل غياب تام للمرافق الرياضية والثقافية ونقص الأنشطة الترفيهية المختلفة التي تنفس عن مكبوتات الحياة وتمنح لهم متعة هم بحاجة اليها وتسمح لهم بالتواصل والتعبير وممارسة هواياتهم المختلفة للتخفيف من كل الأعباء اليومية التي يتخبطون فيها ..

خروج أبنائنا وحتى بناتنا وعائلات بأكملها الى الشارع بالشكل الذي يفعلون قبل الفوز أو الخسارة يستوقف المختصين والسلطات للبحث في الأسباب وفي سبل تنشيط الحياة العامة لشبابنا وإيجاد فضاءات تسمح بتنظيم نشاطات ثقافية ورياضية وفنية بانتظام للترويح عن النفس والحفاظ عن التوازن السيكولوجي والنفسي ليصبح بموجبها الحدث الرياضي موعدا للمتعة والفرجة، ويصبح بعدها التعامل مع الفوز أو الخسارة في الكرة تعاملا عاديا لا يخرج عن نطاق الأخلاق العامة واحترام الغير والحفاظ على المرافق العمومية التي أصبحت مفرغا لحالات الغضب لدى المناصرين ..لدا وجب علينا الاستثمار في ارضية الرياضة التي بقيت خصبة دون غيرها ..

صحيح أن الظاهرة برزت أكثر في تصفيات مونديال 2009 وعشية المواجهة الكروية مع مصر وكانت لها أسبابها ودوافعها أنذاك ، ولكنها أخذت أبعادا أخرى بعد ذلك وأصبح الخروج إلى الشارع قبل المباريات ظاهرة تتكرر كل مرة وفيها الكثير من الافراط  الذي أدى إلى حدوث اصابات و وفيات في صفوف الأنصار لكنها كانت ومازالت متنفسا لأبنائنا في غياب فضاءات التعبير والهياكل التنظيمية ونقص المرافق المختلفة والنشاطات الثقافية والرياضية التي تروي عطشهم  وتسد حاجتهم للفرحة والسعادة والترويح عن النفس ..

مع تفشي الظاهرة وتكرارها كل مرة واتساع رقعتها وتداعياتها قبل وبعد كل موعد رياضي لم تقدر السلطات على الاستثمار فيها وتوجيهها واستخلاص الدروس منها بتأطيرها وتوفير الفضاءات والنشاطات المختلفة الكفيلة بامتصاص عنفوان أبنائنا وطاقاتهم وحاجياتهم المتزايدة للترفيه والترويح عن النفس ليبقى أبنائنا عرضة للخطر والاستغلال السياسي والاجتماعي ، وعرضة للانكسار واليأس والغبن وكل أنواع الحرمان الذي نلمسه على وجوههم حتى وهم في قمة النشوة والفرحة، فالعجز عن الاستثمار في المسببات الناجحة على الرغم من جاهزيتها قد يقودنا إلى أسباب الفشل التي عرفناها في الاستثمارات القبلية ولابد أن تتجدد الإرادة السياسية بتجدد المواعيد الرياضية خاصة وأن مونديال البرازيل على الأبواب!!

حفيظ دراجي

نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر بتاريخ 4 مايو 2014

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل