” وجدتها تعيسة” هو انطباع شعرت به عند زيارتي لها الأسبوع الماضي والمقصود بها ليس أمي أو أختي او زوجتي وابنتي.. بل هي الجزائر التي وجدتها تعيسة رغم ثرائها وجمالها ودفئ أحضانها وصمود شعبها ، ورغم كل ما تتوفر عليه من مقومات السعادة والبهجة والسرور، لكنني اكتشفت وجوها بائسة وتعيسة وقلقة وخائفة على مستقبل الجزائر الذي يريده البعض أن يتوقف عند رئاسيات 2014 وكأنها نهاية العالم ، ويريده البعض الآخر أن يبقى رهينة بين أيدٍ لا تقدر المسؤولية ولا حجم وطن من حجم الجزائر فتجدهم يتصرفون في مؤسساته ورجاله كما يشاؤون دون وعي وادراك بحجم الضرر الذي يسببونه !!
عندما تسأل الناس عن الأحوال يرفضون الحديث عن الوطن خوفا وطمعا أو لأنهم لم يفهموا شيئا من هذا الحراك الخفي والعلني الحاصل هذه الأيام في مختلف المواقع لأن قواعد اللعبة لم تعد واضحة المعالم وانقلبت المفاهيم والمعايير وساءت الأخلاق، وراح البعض يصنف الناس في الجزائر بين مؤيدين للعهدة الرابعة ومعارضين لها وكأنها نهاية المطاف ونهاية العالم وبعدها سندخل الجنة أو النار، في وقت كان يمكن للرئاسيات أن تكون موعدا بسيطا عاديا وتكون الجزائر أكبر من كل واحد منا ، وكان يمكن للجزائريين أن يكون حالهم أحسن، يتحدثون فيه عن المشروع والمستقبل ، وعن المشاكل والحلول بكل حرية وديموقراطية بغض النضر عن أسماء الأشخاص مهما كانوا !!
حتى المنتخب الوطني لكرة القدم صانع أفراح الجزائريين الذين كانوا يجتمعون حوله كلهم لم يعد حديث الساعة عند عامة الناس كما كان رغم اقترابه من التأهل الى المونديال لأن الشك والخوف سكن الجميع في كل المجالات، والهموم والمتاعب اليومية سرقت القلوب والعقول، و وصل الأمر بالبعض إلى اعتبار الاقصاء من التأهل الى المونديال أمرا مفيدا للجزائريين خوفا من استغلال التأهل لأغراض سياسية وانتخابية تنعكس سلبا على أحلام أبنائنا وامالهم في جزائر أفضل قد تتبخر بفعل أناس استحوذوا على الوطن والوطنية والمناصب والثروات و يريدون إذلال الناس ووضع أيديهم على كل ما من شأنه أن يزعجهم ويشوش على مخططاتهم الجهنمية ..
أما في معرض الكتاب الدولي الذي زاره الآلاف من المثقفين والناس العاديين من كل ربوع الجزائر فقد كانت الحيرة والتعاسة مرسومة على وجوههم والقلق باديا عليهم، وكانت الابتسامة غائبة ليس بسبب عدم قدرتهم على اقتناء ما يريدون من الكتب والمؤلفات ولكن لأنهم يدركون أن ما يحدث في وطنهم من تراجع و قلق وشك انعكس على مواضيع ومجالات الكتابة التي اقتصرت على الوجع والالم والمآسي والصراعات السياسية والاجتماعية ، ولم تعد مواضيعها الحب والامل والمستقبل كما كانت أيام زمان لأن الكراهية والحقد انتشرت بيننا ولا أحد صار بإمكانه التكهن بما ستؤول اليه الأمور وكيف ستكون الأوضاع بداية السنة وبعد الانتخابات الرئاسية المقبلة !! ومع ذلك يبقى أملنا كبير في غد أفضل وجزائر أكثر بهجة وسعادة بفضل من الله و بصبر الرجال وسعة صدرهم وحكمتهم التي ستنصر للشعب في نهاية المطاف وليس لصالح فئة على أخرى أو حزب على آخر أو مؤسسة على مؤسسة أخرى لأنها كلها تنتمي الى وطن واحد اسمه الجزائر يسع الجميع ولن ينهض إلا بمساهمة الجميع ..
حفيظ دراجي
نشر في جريدة الشروق اليومي بتاريخ 7-11-2013