لن أتحدث اليوم عن الجانب الفني لمباراة الجزائر مع بوركينا فاسو ولا عن التأهل الذي كان منتظرا ومستحقا ورائعا ، ولن أتحدث عن حاليلوزيش المغامر والعنيد والشجاع والمتميز، ولا عن الجماهير الوفية والعاشقة التي تحب وطنها ومنتخبها عند الخسارة وعند الفوز ، كما لن أتحدث عن تلك الأجواء التي عاشها الجزائريون منذ أيام وبعد المباراة لأن الكثير من وسائل الاعلام و وسائط التواصل الاجتماعي كتبت ونقلت الصور وعلقت ، وأكدت مدى تعلق الجزائريين بوطنهم قبل أن يتعلقوا بمنتخب بلادهم و[بأننا شعب ليس ككل الشعوب في كل الحالات السارة والضارة ..
لن أتحدث عن كل هذا بل أتوقف عند التراجع الذي تشهده الجزائر في كل المجالات مقارنة بتألق منتخب بلادها، و أتحسر على أبنائها الذين لم يبقى لهم سوى منتخب الكرة ليعبروا من خلاله عن حبهم وتعلقهم وانتمائهم لهذا الوطن بعدما استحوذت فئة قليلة من الناس من أصحاب السلطة والمال على كل المناسبات التاريخية والانجازات الأخرى لنفسها واحتكرت الوطنية ونهبت خيرات الوطن وراحت تخون كل من يختلف معها و تحاول الاستحواذ على انجاز كروي كان يمكن أن يكون عاديا وطبيعيا في بلد من حجم الجزائر يملك كل مقومات النجاح في شتى المجالات ..
لن أتحدث عن المباراة والتأهل بل عن الاستغلال البشع للتأهل ومحاولات اختطاف فرحة شعبية بطريقة متخلفة ومفضوحة من بعض وسائل الاعلام والوزراء والسياسيين الذين راحوا يتسابقون لسرقة الانجاز ويتحدثون عن مجهودات الدولة في توفير كل الامكانيات للمنتخب من أجل التأهل في حين لم يوفروا له ملعبا محترما كبيرا يسع كل الجماهير العاشقة التي تعرضت للإهانة من أجل الحصول على تذكرة دخول الملعب ، وباتت في العراء وتحت المطر والبرد من أجل ضمان مقعد لتشجيع المنتخب !! ولم يوفروا له مراكز ترفيه وتثقيف وتكوين و كل الشروط لكي يعيش كريما معززا في وطنه ويستمتع بإمكانيات وقدرات بلده في صناعة البسمة والفرحة في النفوس ، والثروة والرفاهية والازدهار في مجالات الصحة والنقل والتربية والتكوين والمرافق العمومية التي يحتاج اليها ..
لن أتحدث عن التأهل والمشاركة في المونديال لأنه كان منتظرا، منطقيا ومستحقا ولكنني أتوقف عند اعتقاد من يتحكمون في رقابنا بأن شعبنا هو شعب كرة القدم ومن خلال التأهل سيتم تمرير كل المشاريع الجهنمية التي يريدونها لأنفسهم على حساب الوطن والشعب ، وعلى حساب جهود الرجال الفعليين الذين ساهموا في تحقيق هذا الانجاز، ويساهمون في مختلف المواقع في الحفاظ على ما تبقى من وطن يكاد يتحول الى ملكية خاصة دون أدنى اعتبار للرجال والمؤسسات ودون اعتبار لشبان رائعين وملتزمين سيستفيقون على هموم الدنيا وهي تلاحقهم كل يوم ال غاية المونديال وما بعد المونديال ..
لن اتحدث عن التأهل اليوم بل عن من راحوا يرفعون العلم الوطني ويعلقونه في رقابهم رياء ونفاقا وحبا في استمرار الوضع على ما هو عليه وفي البقاء في مناصبهم ومواقعهم وليس حبا في الوطن وفي هذا الشعب الذي يفرح بصدق في غياب عوامل واسباب اخرى للفرح، ويحزن بألم وحسرة على كل ما يسئ الى الوطن وتجده يحب هذا الوطن بصدق أكثر منا جميعا وأكثر من كل المنتفعين والمستفيدين من خيرات الوطن من الذين لا يترددون في سبه ونكران جميله في اول منعرج ..
التأهل الى المونديال هو مكسب رياضي كروي وشعبي قبل أن يكون مكسبا لكل من يستغلونه اليوم وغدا لأغراض سياسية واجتماعية، ولن يكون نهاية العالم ولا غاية في حد ذاتها بقدر ما نريده وسيلة لتحقيق المزيد من الانجازات في كل المجالات وليس في الكرة فقط ، و وسيلة يعتز ويفتخر بها أبنائنا في ظل تراجع الكثير من القطاعات عن أداء واجباتها ومهامها وانهيار القيم والمبادئ والأخلاق
حفيظ دراجي
نشر في جريدة الشروق بتاريخ 24-11-2013