النقاش السياسي والاجتماعي والاعلامي الحاصل اليوم لا يخرج عن إطار محور واحد هو الرئاسيات المقبلة بين شخصيات معينة في السلطة والمعارضة لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة، وأحزاب وجمعيات ومنظمات تزايد على بعضها البعض وتتحدث باسم الشعب أو الرئيس الحالي أو المؤسسة العسكرية، وباسم مرشحين محتملين لم يعلنوا نيتهم في الترشح بعد وكأنها المرة الأولى التي ستجري فيها انتخابات في الجزائر، أو أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون نهاية العالم أو تشهد ولادة الدولة الجزائرية لذلك سيبدأ التطبيل بضرورة المشاركة بقوة في الاستحقاق القادم لأن مصير الجزائر معلق به كما كان يقال لنا في كل الاستحقاقات السابقة !!
ونحن على مقربة من “نهاية العالم في الجزائر” بحلول موعد الرئاسيات لا أحد يتحدث عن جزائر 2024 أو جزائر 2034 وما بعدها وكيف سيكون حال وطننا وآبنائنا ، ولم يعد أحد يتحدث عن الأخطاء المرتكبة والخيبات المتكررة التي عشناها مع نهب أموال الدعم الفلاحي وفضائح سوناطراك والطريق السيار وانخفاض قيمة الدينار وتفاقم الرشوة والمحسوبية، ولا أحد صار يتحدث عن الأزمة الأخلاقية التي نتخبط فيها وانتشار الخوف والشك في كل الأوساط وتراجع دور المؤسسة التشريعية والقضائية والزلزال المصطنع الذي حدث في جبهة التحرير والتجمع الوطني الديموقراطي والذي قد يحدث في مؤسسات أخرى على مقربة من الرئاسيات، وأدت كلها الى انهيار المعنويات واختفاء الأصوات العاقلة والرزينة والكفؤة التي تبعث الاطمئنان في النفوس وتسعى الى الخير وتقديم البديل لمشاكلنا ومتاعبنا ..
بعض وسائل الاعلام الخاصة المرئية والمكتوبة صارت طرفا في المعادلة تؤيد أو تعارض وتصطف مع طرف على حساب الأخر عوض الاكتفاء بدورها في الاعلام والتثقيف والتحليل ، وراحت تفتح قنواتها وصفحاتها للمزايدات وتتحول إلى منبر لمن يريد التموقع وليس لمن يريد إبداء موقفه ورأيه من الأحداث والمستجدات، وتراجع فيها الحديث عن القضايا الهامة وشؤون المواطن وصرنا معشر الاعلاميين أداة في أيدي المسؤولين أو المعارضين نكرر أنفسنا ونكتب نفس المواضيع كل مرة لأننا لم نعد نجد ما نكتبه وفقدنا استقلاليتنا وحريتنا بعدما اقتصر النقاش حول ترشح الرئيس لعهدة رابعة من عدمه وترشح نفس الأسماء التي نعرفها وكأن الدستور يمنع الرئيس الحالي من الترشح إذا كان في كامل صحته ، أو كأن الجزائر لم يعد فيها أحرار ورجال بإمكانهم إسماع أصواتهم وقيادة الأمة نحو آفاق جديدة ومختلفة عما هي عليه اليوم !!
أما عامة الناس فقد سلموا أمرهم لله واستقالوا وانسحبوا بدورهم من المشهد السياسي والاجتماعي وصاروا تائهين ضائعين متشائمين ومنشغلين بهمومهم ومشاكلهم وكأنهم غير معنيين بمصير الوطن لا يفهمون ولا يريدون أن يفهموا شيئا في هذا الذي يحدث للمؤسسات والرجال من تحطيم وتقزيم واقصاء قد ينعكس على كل شيء، وينعكس عليهم بالدرجة الأولى كلما طال انتظار قيام الساعة ونهاية العالم مع حلول موعد الرئاسيات لأن الجزائر لا يمكن اختزالها في شخص الرئيس ولا يمكن أاي رئيس أن يختزل الجزائر في شخصه، والجزائر تبقى في حاجة الى تغيير في منظوماتها بغض النظر عن اسم الرئيس لان الشعب تعب من تكرار الفشل كل مرة ، ولا يريد أن تكون الرئاسيات موعدا لنهاية العالم بل موعدا لبداية عهد جديد ..
حفيظ دراجي
نشر في موقع كل شيئ عن الجزائر tsa بتاريخ 11-11-2013