hafid derradji

محمد صلاح ظاهرة تعدت كرة القدم

 

أن تكون لاعب كرة متميزا في عالمنا العربي وفي افريقيا فهو أمر عادي ووارد، حدث عبر التاريخ، ويحدث اليوم وغدا بالنظر للمواهب الكثيرة التي تزخر بها القارة السمراء والبلاد العربية، لكن أن تتألق في كبرى الدوريات العالمية وفي أحد أعرق الفرق الأوروبية، وتصبح أحد هدافي الدوري الإنكليزي الممتاز، وتتلقى الاعجاب والاحترام من الإعلاميين والمحللين وكل الجماهير، ويغني لك عشاق ليفربول في معقل الأنفيلد تقديرا لمهاراتك وأخلاقك، فهذا هو الذي يميز المصري محمد صلاح عن بقية اللاعبين العرب والأفارقة اليوم، ويجعل منه ظاهرة تعدت بحدودها لعبة كرة القدم لأن الرجل لم يعد مجرد لاعب كرة لدى المصريين خاصة، بل رمزا وقدوة ومثالا للنجاح قد يفتح أفاقا جديدة للأجيال الصاعدة في مصر وخارج مصر.

الأكثر من كل هذا أن تكون لاعبا مصريا، معروف عنه صعوبة تأقلمه مع الأجواء الأوروبية من زمان رغم مهاراته وفنياته، هذا الأمر يحسب أيضا لمحمد صلاح الذي انطلق من فريق المقاولون العرب الى بازل السويسري ثم إلى تشلسي، وفيورنتينا، وروما وبعدها إلى ليفربول في ظرف وجيز خاطفا الأضواء والإعجاب كلاعب وكإنسان متواضع وملتزم تحول في ظرف وجيز الى أفضل لاعب في افريقيا وأحد أفضل اللاعبين والهدافين في أوروبا.
صحيح أن النجم السابق محمد أبوتريكة يبقى واحدا من رموز الكرة المصرية منذ بداية الألفية الجديدة بمهاراته وأخلاقه وانجازاته مع الأهلي والمنتخب المصري، لكن حدود تميزه وتألقه لم تتعد القارة السمراء ولم يتأهل للمشاركة في كأس العالم مثلما يحدث اليوم مع محمد صلاح في أحد أعرق الأندية العالمية وأقوى البطولات الأوروبية.

محمد صلاح تحول في ظرف وجيز الى ظاهرة زمانه لأنه يؤدي موسما رائعا جعل منه هدافا للفريق والأبرز في الدوري الإنكليزي الممتاز بمجموع ثلاثين هدفا وعشر تمريرات حاسمة في جميع المسابقات، محمد صلاح صار ظاهرة زمانه بتواضعه واجتهاده وتحسن أدائه من موسم لأخر، بل من أسبوع لآخر، ظاهرة زمانه لأنه صار بإمكانه اللعب في أي ناد أوروبي بأريحية تامة وبدون عقدة بعدما قاد منتخب بلاده الى مونديال روسيا مسجلا خمسة أهداف في التصفيات.
عندما نقول عن محمد صلاح أنه ظاهرة زمانه، وأن ما يفعله في إنكلترا مع ليفربول خارق للعادة فإننا نستند في ذلك الى كونه خريج المدرسة المصرية وليس مدرسة كروية أوروبية، نشأ وترعرع في مصر حيث تعلم أبجديات الكرة قبل أن يهاجر وعمره عشرون عاما الى سويسرا فأنكلترا ثم إيطاليا وبعدها العودة الى إنكلترا وهو أمر كان دائما يصعب على اللاعب المصري عبر التاريخ مهما كانت قدراته الفنية بالنظر لطبيعة اللاعبين المصريين الذين كانوا يجدون صعوبات في التأقلم مع متطلبات الاحتراف في أوروبا ولا يجدون أنفسهم بعيدا عن الأهلي والزمالك والنادي الإسماعيلي والإعلام المصري والجماهير المصرية، وبعيدا عن الحياة في مصر وسط الأهل والأحباب.

ماعدا أحمد حسام ميدو الذي لعب في بلجيكا وهولندا واسبانيا وفرنسا وإيطاليا وإنكلترا على مدى أكثر من عشر سنوات دون القدرة على الاستقرار لأكثر من موسمين في الفريق نفسه فان محمد صلاح الذي لعب لخمسة نواد أوروبية في ستة مواسم كان في كل مرة يرتقي الى مستويات أفضل ويحصد التتويجات الفردية والثناء والإعجاب لدرجة وصفته جماهير ليفربول «بالملك المصري الجديد»، وهو وصف لا يطلق عبثا على أي لاعب إلا اذا ملك القلوب وأقنع العقول بانه فعلا متميز ويستحق الثناء.

أما عندما نقول بأن محمد صلاح ظاهرة “تعدت حدود كرة القدم” فالمقصود هو تحوله الى ماركة مصرية مسجلة مشجعة لكل لاعب مصري يملك المهارات ويحلم بالتألق عالميا مثلما يفعل حاليا، مما سيفتح الأبواب لأجيال أخرى تهاجر وتغامر وتبادر بعيدا عن مصر ونواديها لاكتساب الخبرة والتجربة والاحتكاك بالأندية الأوروبية الكبيرة مما سينعكس أيضا على اللاعب ومنتخب بلاده ويشجع الآخرين على الاحتراف الفعلي الذي صار حتميا وضروريا للارتقاء الى المستوى العالي بعيدا عن الانحراف الحاصل في دورياتنا العربية ونوادينا وملاعبنا وحتى بعض جماهيرنا، لذلك الخامات موجودة وكل مبتدئ في أي مجال رياضي عليه بتتبع مراحل نجاح “ظاهرة تعدت حدود اللعبة” اسمها محمد صلاح.

 

حفيظ دراجي

نشر في جريدة القدس يوم 1 مارس 2017

Advertisement

تابعوني على شبكات التواصل