حفيظ دراجي
عندما تأهل المنتخب الجزائري لكرة القدم الى مونديال جنوب افريقيا 2010، ثم تألق بعدها في مونديال البرازيل 2014، كانت كل التعاليق الاعلامية تتوجه نحو اعتبار منتخب الكرة بمثابة «الشجرة التي غطت على الغابة» لسنوات طويلة وأخفت الكثير من العيوب والنقائص التي كانت تتخبط فيها الكرة والرياضة الجزائرية عموما، ولما أخفق نفس المنتخب في التأهل الى مونديال روسيا طفت الى السطح كل تلك العيوب والمشاكل وتوجهت الجماهير ومختلف وسائل الاعلام نحو كشف ما تخفيه الغابة من أكاذيب خيمت على منظومة رياضية فاشلة ومرافق رياضية غير كافية واطارات رياضية غير مؤهلة واعلام رياضي متواطئ وسلطات عمومية استغلت نتائج المنتخب لتمرير كل مشاريعها السياسية خاصة والاقتصادية والاجتماعية بتحفظ.
عندما تأهلت الجزائر الى مونديالي جنوب افريقيا والبرازيل لم يكن حال الرياضة والكرة أفضل أو أسوأ مما هو عليه اليوم، فالكل يأكل من ثمار الشجرة ويحتمي بظلها، لكن اقصاء المنتخب الجزائري من المشاركة في مونديال روسيا كشف عن خبايا الغابة وساهم في استفاقة أبنائنا من أفيون الكرة الذي سحر قلوب وعقول شبابنا ليعودوا إلى واقعهم المعاش ويومياتهم الصعبة ويهتموا بأمور أكثر أهمية، ودفع إلى عودة الحراك السياسي والاجتماعي والاعلامي والرياضي، وأدى الى تغييرات في الطواقم الادارية والفنية للاتحاد والمنتخبات الوطنية فانعكس ذلك على النتائج والمعنويات، ودخل الاعلام في معترك الصراعات التي كنا نعتقد بأننا تجاوزناها منذ زمن!
الاقصاء من مونديال روسيا وما حدث بعده من تدخل للسلطات العمومية ورجال المال النافذين وعودة الانتهازيين على كل مستويات اللعبة، انعكس سلبا على مشوار المنتخب ونفوس اللاعبين، وأثر على النوادي والمسيرين والمدربين والحكام والجماهير على حد سواء. الاقصاء من المونديال جعل من راوراوة رئيسا فاشلا، ومحرز لاعبا عاديا، واللاعبين المغتربين عاديين أيضا لا يستحقون حمل الألوان الوطنية لأنهم لا يحبون وطنهم بنفس القدر مع اللاعبين المحليين.
الاقصاء من مونديال روسيا أعاد الى الواجهة ذلك الحديث البيزنطي القديم عن أفضلية المدرب المحلي على الأجنبي وأفضلية اللاعب المحلي على المحترف خارج الوطن والمغترب بدرجة خاصة، ودفع بالمتسلقين نحو مختلف وسائل الاعلام للمزايدة علينا في الوطنية ومهارات التدريب وخطط اللعب والاساءة للرجال الذي تعرضوا لحملات تشهير واساءة طالت رئيس ومكتب الرابطة المحترفة لكرة القدم والكثير من الرابطات الجهوية الى أن وصلنا الى المحاكم الادارية والرياضية لفض نزاعات طفت الى السطح وأثرت على انسجام اسرة كروية كانت مثالا يقتدى به.
بعدما كان الجزائريون يفتخرون باتحادهم ومنتخب بلادهم الذي كان بدوره مصدرا للفرحة والاعتزاز، صار كل شيء في نظر البعض رديئا وسيئا يجب اعادة النظر فيه، فاكتشفنا بقدرة قادر مثلا بأن الرابطة المحترفة لكرة القدم ليست قانونية وغير متطابقة مع قانون الجمعيات الصادر سنة 2013، ويجب حلها وسحب التفويض من مكتبها، واكتشفنا باننا لم نهتم باللاعب المحلي ولم نعط حق المدرب المحلي، ولم نهتم بالتكوين والتحكيم وفشلنا في الاحتراف ويجب أن نعود الى تشجيع الممارسة الهاوية ونعيد النظر في كل ما تحقق عوض أن نحتفظ بالايجابيات ونجد البديل للسلبيات ولا «نحرق الغابة» بكل أشجارها وثمارها!
كرة القدم كانت تجمع في الجزائر، صارت تفرق بين الجماهير والاعلاميين والمحللين، وبين مسيرين سابقين وحاليين يتبادلون التهم ويرمون بالمسؤولية بينهم، ما أثر على الانسجام داخل أسرة كرة القدم الجزائرية واثر على نتائج المنتخب والتعاطي الاعلامي وحتى على معنويات الجماهير التي انقسمت بدورها بين هؤلاء وأولئك مثلما انقسم الصحافيون الى أجنحة تساند وتعارض عوض أن يكتفوا بدورهم في الاعلام والتوعية والترفيه. حتى معنويات الجزائريين ومعالم الجزائر واستقرارها ارتبطت بمنتخب الكرة واقصائه من التأهل الى مونديال روسيا عوض أن ترتبط بمجالات أخرى أكثر أهمية تراجعت فيها الجزائر وغاب فيها البديل الأمثل الذي يسعد الجزائريين ويجعلهم يهتمون بمجالات أخرى سياسية واجتماعية وثقافية عوض أن تبقى الكرة همه الوحيد ولا يجد سعادته سوى في ناديه المفضل أو منتخب بلاده، ولا يشعر بانتمائه وحبه لوطنه سوى من خلال منتخب الكرة في المناسبات الكبرى… بل أصبح الإنتماء محددا بتسعين دقيقة قد تقرب من الوطن أو تنفر منه.
الاكيد أن كل الجزائريين كانوا يأملون في تأهل منتخبنا الى المونديال للمرة الثالثة على التوالي لأنه كان قادرا على ذلك، والشعب الجزائري كان يستحق معايشة فرحة أخرى كتلك التي عاشها في نوفمبر/كانون الاول 2009 و2013، ولكن الأكيد أن الجزائر تستحق منا كل التضحيات في كل وقت وفي كل المجالات، والجزائريون يستحقون الحياة الكريمة في كنف الانسجام والوئام لأن المشاركة في المونديال لن تحل مشاكلنا، بل تنسينا ذلك مدة المشاركة فقط. لن ترتقي بالوطن إلى مصاف الدول الكبرى باسم كرة القدم ققط بل قد تكون مادة مخدرة لكل المجتمع، وقد تجعل من الغابة مليئة بالوحوش التي تأكل الأخضر واليابس يوما ما بعد أن كان لدينا شجرة في الواجهة تغطى على الكل، الآن لا نملك حتى ورقة لستر عوراتنا الكروية.
نشر في القدس العربي بتاريخ 22-02-2018