حفيظ دراجي
لا يختلف اثنان في وجود محللين فنيين ومدربين ولاعبين سابقين وكذلك اعلاميين متميزين في الجزائر، يتحلون بالأخلاق العالية والمهنية اللازمة في تحليل مباريات الكرة والتعليق على الأحداث الرياضية التي نعيشها، لكن لا يختلف اثنان في الوقت ذاته بشأن تدني مستوى النقاش الرياضي في بعض المنابر الإعلامية من طرف بعض المهرجين من الاعلاميين والمحللين، خاصة منذ اخفاق المنتخب الجزائري في التأهل الى مونديال روسيا وما تبعه من تغيير على مستوى الإطار الفني للمنتخب والاتحاد الجزائري لكرة القدم، ما أثار موجة من الاستياء والتذمر والانقسام في الأوساط الجماهيرية والإعلامية، ما انعكس سلبا على معنويات المهتمين بمختلف شرائحهم!
تعدد القنوات التلفزيونية الخاصة بدورها سمح بظهور برامج رياضية ووجوه فنية واعلامية شابة متمكنة ساهمت في اثراء النقاش وتوعية المشاهدين، لكن في الوقت ذاته ظهر الى السطح الكثير من المهرجين الذين راحوا يمارسون التهييج بدافع شخصي ويزرعون الحقد والكراهية والانتقام من كل المسيرين والمدربين السابقين أو الحاليين، ومن لاعبي المنتخب، خاصة المغتربين منهم، رغم مضي سنة تقريبا على رحيل الاتحاد السابق، ما أدى بالمقابل الى ظهور أصناف أخرى من المحللين والإعلاميين الذين راحوا بدورهم يردون بممارسة التضليل والكذب على الهيئات الكروية الجديدة، ويتصيدون هفواتها وأخطائها.
أغلب البرامج التلفزيونية الرياضية ابتعدت عن دورها في الاعلام والتثقيف والترفيه، واتجه بعضها الى ممارسة التضليل والافتراء من خلال بلاتوهات تسمع فيها كل شيء بلغة سوقية متدنية تثير الاشمئزاز، وتسمع فيها الكلام البذيء والسب والشتم وقلة الأدب، ولا تسمع فيها كلاما مؤدبا ومحترما حول الكرة وفنياتها والخطط التكتيكية والاستراتيجيات، ما أدى الى التسويق لنظريات وأفكار وممارسات انعكست على تصرفات المناصرين في مدرجات الملاعب، التي صارت بدورها مسرحا للتهريج والتهييج وأعمال العنف مع كل جولة تلعب.
الاتحاد السابق لم يسلم من الانتقام والحقد وتصفية الحسابات رغم رحيله منذ مدة، والاتحاد الحالي لم يسلم بدوره من العراقيل والانتقادات والاشاعات، بما في ذلك الطاقم الفني الجديد للمنتخب الذي يدفع ثمن مواقفه السابقة عندما كان محللا، وانتقاداته اللاذعة للاعبين المغتربين والمدربين السابقين على مدى سنوات مضت. أما الاتحاد الحالي فانشغل بمحاربة تركة المكتب السابق وصار همه التخلص من بقاياه، فجند اعلاميين ومحللين يقال أنهم يتقاضون أموالا ومزايا مقابل ذلك، ودخل في حرب مع الرابطة المحترفة لكرة القدم ومع الاتحاد الافريقي وكذلك في حرب مع اعلاميين ومحللين أخرين.
ما يوصف بالحرس القديم للكرة الجزائرية باعلامييه ومحلليه أيضا لا يتواني في ترصد هفوات وأخطاء المكتب الحالي ونشر غسيله في مختلف البرامج على حساب الاعلام المحترف والتحليل الفني المحض، لنجد أنفسنا أمام مشهد اعلامي فاق كل أشكال الكوميديا التي عرفناها في السينما والمسرح، والنتيجة أننا ضيعنا فرصة الارتقاء بكرتنا واعلامنا وجماهيرنا الى مستويات اسمى من كل أشكال الحقد والكراهية والانتقام وتصفية الحسابات.
لقد تحول رئيس الاتحاد السابق الى هاجس وفوبيا لبعض الاعلاميين والمحللين، وَوُصف الرئيس الحالي بكل نعوت الفشل والاخفاق رغم مرور أقل من سنة من «تنصيبه الانتخابي»، واللاعبون المغتربون صاروا يشعرون بالغربة في وطنهم وبأنه غير مرغوب فيهم على غرار فيغولي وهني ووناس وبلفوضيل وبن طالب وتايدر، وربما محرز الذي تحول في نظر البعض الى لاعب عادي لا يستحق اللعب في المنتخب! المدرب الوطني تجرأ بدوره وقال أنه أخرج المنتخب من غرفة الانعاش بتعادله أمام نيجيريا، على غفلة منه، وفوزه على افريقيا الوسطى في انتظار فوزه على تنزانيا في الودية المقبلة وهو المنتخب الذي قال عنه بأنه ضعيف عندما فزنا عليه بالسداسية في تصفيات كأس أمم افريقيا، والآن في نظره أًصبح في عداد المنتخبات الإفريقية الناشئة الناجحة!
الجماهير الجزائرية انقسمت بدورها اليوم بين مؤيد ومعارض للمنتخب والاتحاد في سيناريو أثر على معنوياتها وسرق منها فرصة الاستثمار الأمثل في تلك الهبة الوطنية التي عشناها على مدى سنوات بفضل تأهل المنتخب الجزائري الى مونديال جنوب افريقيا وتألقه التاريخي في مونديال البرازيل. لقد اختفى في وسائط التواصل الاجتماعي ذلك الاعتزاز والافتخار بالمنتخب الوطني وبلاعبيه المحترفين والمحليين، وطغت مشاعر التذمر والحسرة واليأس، رغم وجود جيل من اللاعبين المهاريين بشهادة هؤلاء وأولئك. كلنا كنا خلف المنتخب لكننا انقسمنا بين مؤيد ومعارض للوزير والمكتب الفيدرالي والطاقم الفني للمنتخب بفعل هؤلاء وأولئك المهرجين من المحللين والمراهقين الذين يحسبون على الاعلام الرياضي.
كنا ننتقد السياسات والممارسات بالأدب والاحترام، وصرنا نحقد عل بعضنا البعض ونصطف مع هذا أو نعادي ذاك. كنا نمارس حقنا في الانتقاد وواجبنا في الاعلام والتثقيف، وصرنا نمارس التضليل و الابتزاز. كنا نسعى للترفيه عن النفوس فتحولنا الى مصدر للبؤس واليأس! كنا نفتخر بالانتماء الى الأسرة الاعلامية والكروية عندما كان الضمير المهني حيا، وصرنا نخجل اليوم من الانتماء لهؤلاء وأولئك المهرجين أمام أنظار سلطة تستثمر في فوضى فتح المجال السمعي البصري وترسخ مناهج الرداءة والانحلال الخلقي، وتغذي النقاشات المتخلفة التي جعلت من الفاشلين منظرين في مجالات الاعلام والكرة والتسيير، يسوقون للرداءة ويسخرون من الكفاءات وأصحاب الشهادات! ختاما لقد أصبح التهريج عادة والتهييج مبدأ لدى الدخلاء والأشباه الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الكرة والاعلام وراحوا يصفون حساباتهم على حساب جيل مبدع سيقع رهينة، و ضحية لصراعات هؤلاء وأولئك.
نشر في القدس العربي بتاريخ 15-02-2018