على غرار ما فعلته منذ بداية الألفية بتحطيم الأحزاب السياسية وتفكيك الحركة الجمعوية وتهديم النقابات المهنية وتركيع للصحافة المستقلة، عملت السلطة في الجزائرعلى النفخ في منتخب كرة القدم لاستغلاله في إلهاء الشعب وتنفيذ كل مخططاتها السياسية والاجتماعية، وعندما عجز عن التأهل الى مونديال روسيا راحت السلطة تحرض الرأي العام وبعض وسائل الاعلام على اللاعبين وعلى الاتحاد الجزائري لكرة القدم لامتصاص غضب الشارع، فاستحوذ رجال المال والجماعة المحيطة بشقيق الرئيس على الاتحاد والمنتخب، بتحالف مع بضعة مهرجين ومنتفعين حطموا أكبر حزب في الجزائر وهو «حزب الكرة» بحملتهم الشرسة الممنهجة على اللاعبين والمدربين والمسيرين.
الجماعة التي اختطفت اتحاد كرة القدم في جمعية عمومية سارت على الطريقة الستالينية برعاية رسمية من وزير القطاع، راحت بعد ذلك تقتسم الغنيمة من خلال تعيين حاشيتها من الإداريين والفنيين بعد فشل صفقة المدرب الاسباني ألكاراز، الذي ما يزال لحد الآن يدين بملايين الدولارات تعويضا لإقالته بعد فترة وجيزة، ثم جاء الدورعلى مكافأة ماجر بإعتماده مدربا للخضر، وهو الذي لا يملك حتى إجازة تدريب ولم يمارس المهنة منذ أكثر من عشرة أعوام، ويسوق لأفكار ومشاريع بدائية متخلفة تجاوزها الزمن مقابل راتب شهري خيالي يعادل راتب 20 سنة لموظف عمومي!!
مسلسل تهديم «أكبر حزب في الجزائر» منتخب الكرة بدأ بالتشكيك في وطنية والتزام اللاعبين المغتربين من مزدوجي الجنسية، والدعوة بالمقابل الى تطبيق نظام الكوتات في استدعاء اللاعبين الى المنتخب على أساس المولد والإقامة، وليس على أساس الجدارة والامتياز. نفس الأمر طال حتى لاعبات المنتخب النسوي لكرة القدم اللواتي خضعن بدورهن لنظام الكوتات في سابقة فريدة يتم فيها التمييز بين أبناء البلد الواحد ما أثار موجة استنكار شديدة في أوساط المغتربين وأوليائهم!
لقد بلغ الصدام بين المدرب الجديد واللاعبين المغتربين درجة أفضى الى تحديد المكتب الفدرالي لشروط ومعايير يجب أن تتوفر في اللاعب المغترب ليتم استدعاؤه، وأهمها ابداء الالتزام بالدفاع عن الألوان الوطنية للاعبين، أعطونا دروس في الوطنية على مر السنين ليجدوا أنفسهم تحت رحمة اتحادية وإطار فني يوزع صكوك الغفران وشهادات الوطنية على اللاعبين، ويقرر عدم استدعاء نجوم المنتخب على غرارمحرز وبن طالب وابراهيمي وسليماني وقديورة قبل أن يتراجع المختطفون، أو القراصنة، عن القرار تحت ضغط الشارع.
الجماعة لم تتردد مثلا في التشكيك في التزام غولام، وفي التقارير الطبية لنادي نابولي، عندما أصيب وتخلف عن مباراة رسمية للخضر وراحت ترسل طبيب المنتخب الى نابولي للتأكد من صحة الاصابة، في سابقة أولى أحرجت اللاعب وأساءت لصورة الاتحاد وسمعة الجزائر، وعندما توج نفس اللاعب بلقب الكرة الذهبية الجزائرية راحت نفس الجماعة ومن يدور في فلكها تثني عليه وعلى التزامه وتكرم والديه بعدما كانوا يشككون في وطنيته برفقة زملائه، المعايير المزدوجة أصبحت موضة عندهم!
المنتخب الجزائري الذي احتل المركز الثالث عشر عالميا والأول افريقيا وعربيا سنة 2014، صار اليوم يحتل المركز الخامس والستين عالميا والثامن افريقيا، وصار مدربه يفتخر بمنتخب محلي واجه رواندا في مباراة ودية «بدون عقدة»، كما صرح بعدما كنا نفوز عليه وعلى أمثاله بالستة والسبعة، وصار يفتخر بأداء كبير في مباراته الودية أما افريقيا الوسطى، وبتعادله أمام نيجيريا في الجزائر، الذي تحول الى الفوز على البساط بقرار من الفيفا، لكن الفوز لم يستفق له رجل الاتحاد أو من معه، ولم يكونوا على دراية بأن نيجيريا اقحمت لاعبا معاقبا!
عندما نتحدث عن تهديم المنتخب بداعي تصفية الحسابات والانتقام ممن صنعوا أفراح الجزائريين فإننا لن نتغاضى عما يحدث على مستوى الاتحاد الذي أكمل سيناريو الاختطاف بسحب التفويض من الرابطة الوطنية المكلفة بتسيير الدوري الجزائري المحترف، والدخول في صراع مع الاتحاد الافريقي لكرة القدم تبعا لفضيحة تأخر وصول ملف ترشيح نائب رئيس الاتحاد لعضوية اللجنة التنفيذية للاتحاد الافريقي، الأمر الذي أدى بلجنة الانضباط في الكاف الى تقديم اقتراح للجنة التنفيذية بمعاقبة رئيس الاتحاد الجزائري لمدة عامين وغرامة مالية قدرها عشرون ألف دولار بسبب تجاوزات لفظية تجاه الأمين العام ورئيس الاتحاد الافريقي على هامش افتتاح نهائيات بطولة أمم افريقيا للمحليين الجارية وقائعها في المغرب.
معاقبة الهيئة القارية لرئيس الاتحاد الجزائري اذا تم ترسيمها ستكون سابقة في تاريخ الكرة الجزائرية تقودها الى مزيد من العزلة قاريا ودوليا مما ينعكس سلبا على مختلف المنتخبات الوطنية لكرة القدم في سيناريو يوحي بأن الذي يحدث هو أمر مقصود ومدبر من طرف الجماعة التي راحت تهدم ما تم تحقيقه على مدى عقد من الزمن في بضعة أشهر لتعيدنا الى نقطة الصفر في كل المجالات!
تحطيم حزب منتخب الكرة في الجزائر رافقه تهديم لكل الرياضات والاتحادات التي تعيش مشاكل مادية وتنظيمية انعكست على مختلف المنافسات والمنتخبات، زادتها تعقيدا مشاكل لا حسرة لها بين وزير الشباب والرياضة ورئيس اللجنة الأولمبية الجزائرية أفضت الى انسداد كبير انعكس سلبا على معنويات الرياضيين والفنيين واستعداداتهم للمنافسات الاقليمية والدولية المقبلة. يحدث كل هذا التحطيم لأكبر حزب في الجزائر بعدما اجتمع الجهل والحقد مع الغيرة والحسد للانتقام من التميز والنجاح غير المسبوق الذي عرف به المنتخب الوطني خلال آخر مونديالين، ويحدث كل هذا أيضا نتيجة اللامبالاة واللاوعي بأهمية كرة القدم والرياضة في يوميات مجتمع جزائري وجد في كرة القدم على مدى سنوات متنفسا يهرب اليه من همومه ومتاعبه اليومية الكثيرة، بل إن نجاح المنتخب غطى على فشل المنظومة الحالية في بناء مجتمع سوي ومتوازن، الآن شجرة المنتخب سقطت وعرت مصالح حزب الرداءة والانتهازية الذي صار الحزب الأقوى بفعل فاعل يسعى الى عهدة خامسة مهما كان الثمن.
نشر في القدس العربي بتاريخ 22-2-2018